الإيمان بالكتب
مقدمة :-
الواجب
الإيمان بها إجمالاً وتفصيلاً إجمالاً فيما لم بين ولم يسمى، نؤمن بأن الله أنزل الكتب
على الرسل والأنبياء كما قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ
وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ يؤمن
المؤمن بأن الله أنزل كتب على الرسل عليهم الصلاة والسلام، فيها العدل وفيها الشرائع،
ويؤمن بما سمى الله به التوراة والإنجيل والزبور، يؤمن بهذا بما سمى الله سمى هذا لنا،
التوراة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود، يؤمن بما سمى الله وميزها، والقرآن
على محمد عليه الصلاة والسلام، فما سمى الله سميناه وآمنا به نصاً وما أجمله الله أجملناه،
ونقول الله جل وعلا أنزل كتباً على أنبيائه ورسله، نؤمن بها ونصدق بها ونعلم أنها حق
من عند الله عز وجل؛ لكن لا نعلم تفصيلها إنما نعلم أنه أنزل كتباً إقامة للحجة وقطعاً
للمعذرة، ومنها التوراة والإنجيل والزبور والقرآن التوراة على موسى والإنجيل على عيسى
والزبور على داود والقرآن على خاتم الأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام.
من أركان
العقيدة الإسلامية الإيمانُ بالكتب السماوية التي أوحى الله بها إلى رسله، فإنّ الله
سبحانه وتعالى يخاطب رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، ويأمره بأن يعلن إيمانه بجميع
الكتب التي أنزلها الله،
قال
الله تعالى في القرآن الكريم :
(فَلِذَلِكَ
فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ
بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا
وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ
اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)
قل يا
محمد صلى الله عليه وسلم: آمنت بما أنزل الله من كتاب، وأيُّ كتاب من الكتب السماوية
المنزّلة على أنبيائه فآمن به، قل: آمنت بها كلها .
قال
علماء الأصول: إن خطاب الرسول خطابٌ لكل مَن آمن برسالته، قال الله تعالى يخاطب المؤمنين
قال
الله تعالى في القرآن الكريم :
(يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي
نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ
بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ
ضَلَالاً بَعِيداً)
تعريف الكتب:
الكتب
لغةً: جمع كتاب، والكتاب مصدر: كتب، يكتب، كتابًا، ثم سُمِّي به المكتوب.
والكتاب
في الأصل اسمٌ للصحيفة مع المكتوب فيها؛ كما قال تعالى: ﴿ يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ
أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ ﴾ [النساء: 153]؛ يعني: صحيفة
مكتوبًا فيها مثل التوراة.
والمراد
بالكتب هنا اصطلاحًا: هي: الكتب التي حَوَتْ كلام الله تعالى الذي أوحاه إلى رُسُلِه
عليهم الصلاة والسلام سواءً ما أنزَلَه عن طريق الملَك مشافهةً فكُتِبَ بعد ذلك كسائر
الكتب، أو ما نزَل مكتوبًا من عند الله تعالى كالتوراة التي نزلتْ مكتوبةً في الألواح،
كتبها الله تعالى بيده.
وجوب الإيمان بالكتب ومنزلته من الإيمان:
الإيمان
بالكتب أصلٌ من أصول الإيمان، وركنٌ من أركانه؛ فلا يصحُّ إيمانُ عبدٍ حتى يؤمن بها؛
ولهذا أمَر الله تعالى بالإيمان بها، فقال: ﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ
الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ ﴾ [النساء:
136]، فأمر سبحانه عباده المؤمنين بالإيمان والتصديق بجميع شرائع الإيمان وشُعَبه وأركانه،
فيؤمنوا بالله ورسوله وهو محمد - صلى الله عليه وسلم -، والكتاب الذي نزَل عليه وهو
القُرآن، والكتاب الذي أنزَل من قبل، وهو جميع الكتب السابقة ـ والتي منها صحف إبراهيم
والألواح التي هي توراة موسى ـ التي أنزَلَها الله على المرسَلين من قبلُ، فمَن كفَر
بشيءٍ من ذلك ومنه الكتب فقد ضلَّ؛ ولهذا قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ
وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا
بَعِيدًا ﴾ [النساء: 136]، فالكتاب اسم جنس يشمَل جميعَ الكتب المنزلة على الرسل عليهم
الصلاة والسلام من ربهم وأوَّل ما سمي لنا في صحف إبراهيم، والتي خُتمتْ بآخِرها وهو
القُرآن المهيمِن على ما قبله من الكتاب.
ولتقرير
الإيمان بالكتب كلِّها أمَر الله تعالى عبادَه المؤمنين أنْ يخاطبوا أهلَ الكتاب بقوله:
﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ
وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى
وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ
وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 136]، وقال تعالى: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا
أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ
وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ﴾ [البقرة:
285].
فتضمَّنت
الآيتان إيمانَ المؤمنين بما أُنزِل عليهم بواسطة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وما
أُنزِل على أعيان النبيِّين المذكورِين في الآيتين، وما أُنزِل على بقيَّة الرُّسل
في الجملة، وأنهم لا يُفرِّقون بين الرُّسل في الإيمان، فلا يؤمنون ببعضهم دُون بعض،
كصنيع الضُّلاَّل من أهل الكتاب؛ بل يؤمنون بجميع الرُّسل، وبكلِّ ما أنزل الله تعالى
من الكتب، فكما أنَّ المؤمنين يؤمنون بجميع المرسَلين فلا يُفرِّقون بين رسولٍ ورسول،
فإنهم كذلك يؤمنون بجميع الكتب التي أنزَلَها الله تعالى فلا يُفرِّقون بين كتاب وكتاب،
ولكن يتَّبِعون الكتاب الذي نُزِّل عليهم كما يتَّبعون الرسول الذي أُرسِلَ إليهم.
ومن
السنَّة حديث جبريل المشهور، وفيه الإيمان بالكتب؛ قال - صلى الله عليه وسلم -:
"الإيمان أنْ تؤمن: بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخِر، وبالقدر خيره
وشرِّه..."[1]، فذكر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في إجابته الإيمانَ بالكتب؛
فدلَّ على وجوب ذلك مع بقيَّة أركان الإيمان، فتَقرَّر أنَّ الإيمان بجميع الكتب ركنٌ
من أركان الإيمان بالله تعالى لا يصحُّ الإيمان بدُونه، ولا يُقبَل العمل إلا به.
فالإيمان بالكتب يتضمن أربعة أمور :
الأول
: التصديق الجازم بأن جميعها منزَّل من عند الله ، وأن الله تكلم بها حقيقة فمنها المسموع
منه تعالى من وراء حجاب بدون واسطة الرسول الملكي ، ومنها ما بلغه الرسول الملكي إلى
الرسول البشري ، ومنها ما كتبه الله تعالى بيده كما قال تعالى : ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ
أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً
فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) الشورى/51 وقال تعالى
: ( وكلم الله موسى تكليما ) النساء/164
وقال
تعالى في شأن التوراة : ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً
وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) الأعراف/145 .
الثاني : ما ذكره الله من هذه الكتب تفصيلا وجب الإيمان
به تفصيلا وهي الكتب التي سماها الله في القرآن وهي ( القرآن والتوراة والإنجيل والزبور
وصحف إبراهيم وموسى ).
وما
ذكر منها إجمالا وجب علينا الإيمان به إجمالا فنقول فيه ما أمر الله به رسوله : ( وقل
آمنت بما أنزل الله من كتاب ) الشورى/15 .
الثالث
: تصديق ما صح من أخبارها ، كأخبار القرآن ، وأخبار ما لم يُبَدل أو يُحَرف من الكتب
السابقة .
الرابع
: الإيمان بأن الله أنزل القرآن حاكما على هذه الكتب ومصدقا لها كما قال تعالى : (
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ
الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ) المائدة/48 ، قال أهل التفسير : مهيمنا : مؤتمنا
وشاهدا على ما قبله من الكتب ، ومصدقا لها يعني : يصدق ما فيها من الصحيح ، وينفي ما
وقع فيها من تحريف وتبديل وتغيير ، ويحكم عليها بنسخ ـ أي رفع وإزالة ـ أحكام سابقة
، أو تقرير وتشريع أحكام جديدة ؛ ولهذا يخضع له كل متمسك بالكتب المتقدمة ممن لم ينقلب
على عقبيه.
الخاتمة
:
معنى
التمسك بالكتاب والقيام بحقه : إحلال حلاله ، وتحريم حرامه ، والانقياد لأوامره والانزجار
بزوا جره والاعتبار بأمثاله ، والاتعاظ بقصصه ، والعلم بمحكمه ، والتسليم بمتشابهه
والوقوف عند حدوده والذب عنه مع حفظه وتلاوته وتدبر آياته والقيام به آناء الليل والنهار
، والنصيحة له بكل معانيها ، والدعوة إلى ذلك على بصيرة .
المراجع
:-
1-
موقع شبكة الألوكة .
2- (
أعلام السنة المنشورة 90 – 93 ) و ( شرح الأصول الثلاثة للشيخ ابن عثيمين 91 ، 92
).
3-
موقع الاسلام سؤل وجواب .
4-
موقع الدرر السنية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق